هل هي العودة الصغرى الممهدة للعودة الكبرى؟/عبد الرحمن/الحنفي

يحتل مفهوم العودة طابعا خاصا في ذاكرة الفلسطيني، ولكنه ظل حلما  محتبَسا بداخله دون أن يجد له تجسيدا في واقعه المَعيش.
ولعل عودة المهجَّرين أفواجا من جنوب القطاع إلى شماله يعد أول عودة يعيشها الإنسان الفلسطيني خلال مسيرته النضالية الممتدة عبر الزمن.
صحيح أنها رحلة مصحوبة بكثير من الحزازات والمرارات لما فيها من مشاق بدنية، و حُرَق نفسية، لكنها في الوقت ذاته تكتنز الكثير من المعاني و الدلالات والعبر، وتجسد بجلاء مدى تشبث الإنسان الفلسطيني بأرضه.
لقد ذاق الفلسطينيون مرارة الشتات والبعد عن الأوطان على مدى ما يقارب ثمانية عقود، لذا لا غرابة أن يتدافعوا على طريق الرشيد قاصدين أماكنَ سوى الاحتلال غالبيتها بالأرض وتركها ركاما خلال عام وثلاثة أشهر.
لقد ضرب مشهد العودة الكيان المغتصب في مقتل، وأشعل نيران الغضب في قلوب وزرائه المتطرفين، وقضى على سياسات تسفيير وتهجير سكان الشمال، وخطة الجنرالات، و لعل من جميل الصدف وقوعه بعد يوم من دعوة الرئيس الآمريكي ترامب  لتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، و تلقف وزراء اليمين تلك الدعوة الماكرة.
ولعل أصدق مصطلح يمكن أن يطلق على مشهد الاثنين هو"العودة الصغرى" والتي ستكون بذورا  للعودة الكبرى، عودة يراها الفلسطيني اليوم بين عينيه بعد أن كانت حلما يراه بعيد المنال.
لقد دخلت إسرائيل هذه الحرب بنية إبادة الفلسطينيين و تحويل قطاع غزة عموما وشماله خصوصا إلى جحيم خال من أي مقوم من مقومات الحياة، فحولت مباني الشمال إلى كومات ركام ودمرت مشتشفياته ومدارسه و مساجده،
ومنعت عنه الغذاء والماء، لكن كل ذلك لم يزد سكان الشمال إلا تشبثا به وحنينا إليه كما جسده مشهد الاثنين الرهيب، والذي أطلق عليه البعض(طوفان العودة)، تأسيا بطوفان الأقصى المجيد، و هو ما أذهل العدو وأشعره بفشل مخططاته وأهداف حربه، كما صرح به الوزير المتطرف بنغفير في نعيقه اليوم ضد رئيس الكيان قائلا: "عودة السكان لشمال قطاع غزة صورة لانتصار حماس، وجزء آخر مهين من صفقة التبادل".
إن يوم الاثنين 27 يناير 2025 يوم له ما بعده في مسيرة النضال الفلسطيني، وإن  "موسم الهجرة" الصغرى إلى الشمال اليوم مؤذن -بإذ الله- بقرب موسم الهجرة الكبرى، والتي ستزداد  توغلا في الشمال محررةً مدن الغلاف وما بعد الغلاف، منهية أنذل وأرذل استعمار عرفته البشرية.
إن فجر الحرية قد  تبدت قسماته منذ دق الفلسطيني باب الحرية بأيْدٍ مضرجة بدماء العزة والصمود مجسدا بيت أمير الشعراء السائر:
وللحرية الحمراء باب/بكل يد مضرجة يدق.

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.