الإعلان عن زيارة يقوم بها رئيس الجمهورية لمدينة كيفه مطلع الشهر القادم واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية ؛ جعل وجهاء القبائل ووزرائها وأطرها ودُمَاهم من المنتخبين يجددون صلاتهم القديمة بناخبين يتم استغلالهم عند الحاجة كوقود للاستقبالات وخزان للأصوات وتتم دغدغة عواطفهم بكثير من المكر، لدواعي "المحافظة على المصلحة العليا للقبيلة والفخذ"، لا لشيء إلا لتأمين استمرار هيمنة أولئك البارونات على المشهد المحلي والمضاربة بنتائج تلك الهيمنة في سوق المناصب بنواكشوط.
في بعض مناطق البلاد الأخرى، تتستر القبائل خلف بعض الأنشطة الثقافية أو تحت غطاء منظمات المجتمع المدني أو غير ذلك ، غير أن القبيلة في ولاية لعصابه تسفر عن وجهها الدميم، سواء في المدن الكبيرة أو في القرى النائية، ومن دون أدنى احترام للسلطات العمومية ولا لتعليماتها المتعلقة بحظر التجمعات ذات الطابع القبلي، التي يبدو أن الجميع تناساها عن سبق إصرار أو قرر الدوس عليها وهو في مأمن من أية عقوبة.
تتباهى القبائل والأحلاف بوفرة العدد والممتلكات وبالبذخ الكاذب والكرم الزائف الذي لا تستفيد منه على الأقل القاعدة العريضة للقبيلة التي ليس لها سوى الاستغلال والنظرة الاستعلائية من طرف أسياد وشيوخ وحاشيات، يضنون على من يستغلونهم حتى بالشعور بالأسى على ما يكابدونه من مشقة في سبيل تحصيل لقمة العيش.
ستصتك خلال الأيام القليلة القادمة المسامع في كل مكان من ولاية لعصابه بطبول السماسرة الحالبين لمزايا النظام وستملأ غبار سياراتهم كل الفضاء، في تحد سافر للدولة لكن أيضا في استهزاء دنيء بمشاعر أغلبية سكان الولاية المتروكين للإهمال في ظل ظروف حياة تزداد قساوتها يوما بعد يوم بوتيرة تجاوزت بكثير قدرة المواطن على التحمل وحولته إلى كتلة من القلق والخوف على حاضره ومستقبل أبنائه.
من يستطيع أن ينكر اليوم أن آلاف المواطنين في الولاية محرومون حتى من الحصول على جرعة ماء صالحة للشرب؟ وأن أكثر منهم محرومون من الحصول على خدمات حساسة مثل التعليم والدواء؟ ومن الذي داخل الولاية لا يتأثر اليوم بمطاردة أسعار تحول حياته وحياة ذويه إلى جحيم؟ حتى خدمات الكهرباء توقفت بطريقة مخزية عمن كانوا يحصلون عليها! والأوساخ والنفايات حولت المدن إلى مكان خطر لا يمكن العيش فيه.
والأسوأ من كل ذلك أنه في الوقت الذي تدق فيه طبول هؤلاء، لا يجد المواطنون ما ينقذ حياتهم حين يتعرض أحدهم للسعة عقرب أو ضربة شمس، ويضرب الجفاف أجزاء واسعة من الولاية مهددا أغلى ثروة بها.
لن يتحدث من يعودون اليوم بأجسامهم الرطبة وبطونهم المتخمة إلى الولاية عن كل ذلك بالتأكيد ولن يقدموا أي حل لأي من المشاكل المطروحة، لأن مهمتهم محددة بشكل دقيق، ولأن التجربة أثبتت لهم أن عقار العاطفة القبلية وسياسة "فرق تسد" ما زالت كافية لتخدير البؤساء وأن أي تحسن في ظروفهم المادية والمعنوية قد يعجل بخروجهم من حظيرة الاستغلال والامتهان.
ما يهم هذه العينة من البشر أن يخرج الناس في استقبال الرئيس و تمتلأ صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة لمصلحتهم وأن يعودوا بعد ذلك إلى مناصبهم في العاصمة نواكشوط كنواب ووزراء ومدراء ورجال أعمال وقطط سمان يعيثون في الأرض فسادا خلال السنوات الخمس القادمة. أما باقي سكان الولاية المستكينين لهذا الوضع المهين، فلن يكون نصيبهم أكثر من اجتماعات قبلية وأحاديث زائفة عن الأخوة والأهلية والتاريخ المشترك!
والسؤال الذي يتكرر على الدوام في مثل هذه المواسم هو: أما آن للدولة أن تحمي السكان من سطوة بارونات الفساد والجشع والفشل؟ أو بصفة أصح: أما آن للسكان أن يفهموا لعبة المستفيدين من وجهاء وأطر ومنتخبين ليوقفوهم عند حدودهم، وليراجعوا لحظة من الزمن مواقفهم ويحتكموا إلى عقولهم أملا في كسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الولاية؟
الشيخ ولد احمد المدير الناشر لوكالة كيفه للأنباء