الكتاب المدرسي و طرق الإستفادة منه / النهاه ولد أحمدو

"  الكتاب المدرسي و طرق الإستفادة منه " عنوان محاضرة ألقاها المستشار التربوي النهاه ولد أحمدو خلال ملتقى نظمه المعهد التربوي الوطني بالعاصمة انواكشوط ايام 17 - 18 -  19 من شهر مايو الماضي، هذا نصها : 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الكتاب المدرسي و طرق الإستفادة منه

الكتاب بالتعريف لغة عند الأصوليين المسلمين ، هو القرآن 
(هُوَّ الّذِي انْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) آل عمران7

و الكتاب هو الرسالة  المخطوطة تمييزا لها عن الخبر المنقول لفظيا ، كما أن الكتاب قد تفيد الْقَدَرَ ، فيقال وقع عليه  الكتاب .

إلا أنه و رغم  كل ما تحمله كلمة( الكتاب) من مرادفات في مختلف القواميس ،  يبقى أكثرها تداولا الكتاب  الذي هو بمعنى(الصحف او الكراسات او الصفحات  المخطوطة يدويا او المطبوعة آليا  المجموعة بين دفتين) و منها :  
الموسوعات و المعاجم  و القواميس  و الدواوين و غيرها كثير .

و تختلف هذه الكتب باختلاف مواضيعها و طريقة معالجتها تبسيطا و تعقيدا ، لتتلاءم مع القدرات المعرفية و الطاقات الإستعابية للمستهدفين بالإستفادة منها . و في هذا الإطار يتنزل الكتاب المدرسي .

لا يختلف إثنان على ما للكتاب المدرسي من أهمية بالغة في تحصيل المعارف و زيادة الخبرات ، بغض النظر عن موضوعه و مادته و حتى لغة إصداره ، لكن هذه الأهمية تتعزز أكثر بمعرفة جهة تأليف الكتاب و مدى الوثوق بصحة تمكنها  و دقة معرفتها  بمادته ، و الأمانة في نقل المعلومة ، و حسن اختيار اسلوب التوصيل ، و الحرص على تحييد او تقليص هامش الخطإ مهما كان نوعه.

كما تتحكم في حصول الفائدة المرجوة من هذا الكتاب -- و التي حصرناها في اكتساب المعلومة و تعميق المعرفة -- عوامل عديدة منها المرتبط بالكتاب نصا و اسلوبا ، و منها المتعلق بالمتعامل معه معلما كان او متعلما .

لقد جاء تقدم علوم التربية و التعليم ، و تطور طرق التدريس و ظهور المقاربات ليثبت محورية الكتاب المدرسي في العملية التعليمية ، التي يرى "جان جاك روسو"  أنها هي تحقيق أقصى نمو طبيعي للفرد ، مما يؤدي إلى حياة متوازنه و متناغمة ، ممتعة مفيدة  و طبيعية .

هذه الأهداف التي يرى"يوهان افدريك هاربارت" أنه على المدرس لبلوغها أن يتبع في درسه خمس خطوات هي  : ( التمهيد و العرض و الربط و استنتاج القاعدة و التطبيق) .

فمن خلاصة هذه النظر يات  و الطرق و المقاربات ، ظهرت ضرورة إلزام المعلم بإعداد و تحضير درسه قبل دخول القسم ، ليجد عندها أن الكتاب المدرسي أو المرجع خير زاد و معين .

إن ظهور الحاجة إلى توفر الكتاب المدرسي في كل النظم التربوية بالعالم ، واكب بداية إرساء ضوابط التعليم النظامي في البلدان المتقدمة ، حين ظهر الفراغ جليا إلى وجود المرجع و المستند  و الديل و وسيلة الإيضاح ، و حين ثبت أن أكثر  طرق التعليم انتشارا يومها ، و هي التقرير و التلقين تحتاج كلها إلى كتاب يثبت المعلومة في اذهان الدارسين .

فتأسست الهيآت المختصة المخولة من طرف الجهات الوصية على التعليم و التهذيب و التاطير ، و كُلفت من بين أهم وظائفها بمهمة إصدار الكتاب المدرسي ، و تَسَمَّى أكثرها  بالمعاهد التربوية الوطنية ، و حتى بعضها كان إقليميا و قاريا مثل : (  L'institut Pédagogique Africain Et Malgache).

عندها لم تكن  بلادنا نشازا من دول العالم ، و لم تفوت فرصة الإستفادة من الكتاب المدرسي فتعاونت مع الهيآت الدولية و تعاقدت مع الدول الصديقة ، لتعمل على توفيره حتى تتمكن من إصداره لاحقا بمقدراتها و على مواردها الذاتية ، الأمر الذي لم يتأخر كثيرا بعد إصلاح 1973م، فكان المرسوم 74/179 بتاريخ : 5 أغسطس 1974م المنشئ للمعهد التربوي الوطني الموريتاني ، الذي جعل منه مؤسسة محورية في صلب النظام التربوي تعنى بإعداد الوسائل التعليمية و تكوين الكادر التربوي حرصا على حسن أداء و مخرجات نظامنا التربوي .

و قد اجمل هذا المرسوم في مادته الثالثة من نظامه الأساسي ، الأهداف السامية الموكلة إلى المعهد التربوي حين قال : (إن المعهد التربوي الوطني الموريتاني هو هيئة البحث و التجريب و الإنعاش التربوي في شتى مجالات التعليم.)

كما كان النظام الأساسي للمعهد صريحا في مادته العشرين ، حين أعطى المدير صلاحية اختيار شخصيات وطنية و حتى اجنبية للقيام بالبحوث و الدراسات و المحاضرات حين يرى في ذالك خدمة لمهام المعهد.

الآن و بعد أن اثبتنا بما لايدع مجالا للشك أهمية الكتاب المدرسي ، يجدر بنا أن لا نغادر هذا الموضوع قبل أن نبحث في أهم الطرق التي تمكننا من أحسن استغلال له ضمانا لتحصيل اكبر استفادة منه .

لست هنا طبعا افضل من يتكلم في هذا الموضوع ، غير أنه بإمكاني طرح بعض التساؤلات ، و تقديم بعض الاقتراحات و إثارة  بعض الإشكالات ، ليكون ذالك تسويدا لمائدة حوار حول هذا الموضوع المهم و إثارة لحفيظة أصحاب الاختصاص.

إن مرحلة تأليف او إعداد الكتاب المدرسي هي أهم مراحله على الإطلاق ، لذا وجب التركيز عليها بكل ما يستحقه ذالك من عناية ، باختيار الكفاءات للتأليف ، و انتقاء المواضيع و مناسبة العناوين و إعطاء الوقت الكافي للمدققين و الحرص على جودة التصميم و الإخراج .

إن مراجعة الكتاب المدرسي من  طرف لجنة مختصة بعد سحبه النهائي ، أمر لازم لتحقيقه و مراجعته شكلا و مضمونا ، و جمع الملاحظات حوله  حتى في لون الورق و المداد و الحبك ...الخ .

إن كل ما قبل وصول الكتاب المدرسي يدَ المدرس و التلميذ ، يعتبر مجرد وسيلة يحرص المعهد التربوي على تحقيقها ليضمن الغاية الكبرى و هي الإستفادة من هذا الكتاب .

إن عملية توزيع و إيصال الكتاب المدرسي  كانت و لا زالت تشكل تحديا جديا للمعهد التربوي ، جعله يسعى جادا إلى رسم  الخطط و
الإستراتجيات و مناشدة  مؤازة جميع الشركاء و الفاعلين لوضع اساليب تضمن وصول الكتاب إلى المستفيدين المستهدفين و الحيلولة دون تسربه خارج القنوات الرسمية للتوزيع .

كما أن التفكير في طريقة افضل لحفظه في ظروف احسن في المدارس للاستفادة منه لمدة اطول ، هاجس هو الآخر ظل يؤرق المعهد التربوي .

تختلف إصدارات المعهد التربوي باختلاف المراحل الدراسية و المواد المدروسة  و المواضيع المقررة ، كما تختلف حتى في تخصيصها  فمنها الموجه للمدرس و منها الموجه للتلميذ ، و لضمان إستفادة أمثل يجب احترام هذه الاختلافات  ، فتوجه إلى كل مرحلة مخصصاتها ، و إلى كل مستوى ما يناسبه .

يجب أن لا يتخذ المدرس من الكتاب المدرسي بديلا لدفتر إعداده  ليتحول إلى مجرد "بوق" إملاء لما في الكتاب على تلاميذه ، الأمر الذي يجعلهم يعزفون عن حضور الحصة أملا في تعويض غيابهم عنها بنقلها من الكتاب .

يجب على المدرس  مراجعة موضوع الدرس من الكتاب المدرسي قبل الدخول في نقاشه مع التلاميذ و ذالك ليتمكن من تصويب الخطإ إذا كان موجودا بطريقة لا تجعل التلميذ يشك في ثقة المصدر او المرجع ، و من استبدال أمثلة بأخرى إذا كان يرى ذالك مناسبا او تعديل في صياغة الاستنتاج...إلخ

كما أنه على المدرس جمع مادة درسه من مراجع عدة إثراء لمعلوماته حتى لا يبقى الكتاب المدرسي مرجعه الوحيد .

ينبغي أن تشكل عناصر التأطير بالمدارس من مفتشين و مستشاين و مدراء لجانا لجمع الملاحظات على جميع إصدارات المعهد التربوي تعمل على تحقيقها قبل رفعها في تقرير إلى المعهد التربوي ليستفيد منها في إصداراته اللاحقة .

و أخيرا  لماذا  لا نجرب إعادة الثقة فى الدولاب و التلميذ، ، أيام كتاب (التلاوة المفسرة  و الشامل و الرائد...إخ) ،حيث كان بكل قسم دولاب يحوي عشرات الكتب ، و كان كل ثلاثة تلاميذ شركاء في كتاب ، يسحبونه وقت حصة القراءة ليعيدوه كما هو عند انتهائها؟


انواكشوط

19/12/2024

المستشار التربوي :

النهاه ولد احمدو

46442289

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.