الوطن بين نفوذ القبيلة و نفاذ القانون / اباي ولد اداعة

تشهد الساحة الوطنية من حين لآخر تصاعدا غير مسبوق في إتجاه الإهتمام بقضايا مصالح القبيلة الضيقة و الإبتعاد عن الهم الوطني العام .

في زمن راجت فيه خطابات الكراهية و التحريض علي العنف و الترويج للشرائحية علي نطاق واسع.

في ضوء ما نشهده من إستباحة للتجمعات القبيلة و الولائم و اللقاءات المعلنة و غير مرخصة ، و التي تتدخل بكل شاردة و واردة من شؤون البلاد و العباد بقوة نفوذ قادة القبائل و المال و الأعمال.

رغم نفاذ قرار الحظر بشأنها علي المستوي الوطني .مما ساهم بشكل أو بآخر في العودة القوية للدور المتعاظم للقبيلة في إذكاء العصبية و إثارة النعرات الضارة التي تعيق نهوض و تقدم الوطن .

و تدفع الناس إلي نصرة الظالم علي المظلوم دون الاحتكام إلي القضاء الوطني .و التي قد تتطور إلي ملاسنات فظة علي صفحات التخاصم الاجتماعي.

أو تتنهي بصراعات يسيل فيها دم الإخوة  من أبناء الوطن الواحد جعلت منهم القبيلة ألد الأعداء .

و هو ما يعد خروجا صريحا علي دولة القانون و المواطنة يقوض مفهوم و هيبة الدولة .

قد يشكل خطرا حقيقيا علي السلم الإجتماعي و التعايش الأهلي و الإستقرار السياسي .

إذ لا يختلف إثنان علي أن القبيلة هي نقيض الدولة و إن الولاء للقبيلة بدل الوطن يلغي مفهوم الوطن .

و عليه فإن القبيلة بالمفهوم السياسي تشكل عائقا أمام بناء دولة المواطنة الحديثة التي تستند إلي الشرعية و المواطنة و الكفاءة و هي القيم التي تناقض أعراف و تقاليد و عادات القبيلة القائمة علي القرابة و الولاء و الإتباع و العصبية و الإنحياز .

في حين يجمع كل المحللين و المراقبين علي أن إتساع نفوذ القبيلة لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو إمتداد لمسار طويل من الممارسة السياسية الخاطئة منذ إنطلاق العهد الديمقراطي.

و نتيجة حتمية للتراخي و التمايز في تطبيق القانون و لغياب العدالة الإجتماعية و لظهور علامات الثراء الفاحش غير شرعي دون مساءلة و انتشار الفساد في كل تجلياته .

حيث تعد القبيلة بيئة مناسبة و محمية و حاضنة للفساد .

 ظروف كرست للحكم الأحادي في المراحل السابقة و إعلاء صوت القبيلة علي حساب صوت الوطن .

أسست لمرحلة جديدة من التعاطي الديمقراطي السلبي .

خدم الأنظمة الحاكمة المتعاقبة و زاد من حالات الظلم و الغبن و التهميش و إتساع الفجوة بين طبقات المجتمع .

وفر قيم مجتمعية و وطنية بديلة خاطئة أطغت علي مختلف مناحي الحياة السياسية و الإجتماعية كالنفاق السياسي و النفوذ القبلي و انتشار الفساد و سوء الإدارة و التسيير و إستغلال النفوذ.

حيث أعتادت المواسم الإنتخابية منذ عقود سيطرة الإعتبار الشخصي و النفوذ القبلي و الجهوي في تحديد وجهة التصويت لصالح النظام الحاكم علي حساب عامل الولاء الحزبي أو الوطني.

رغبة في التوظيف أو التوزير أو لحاجة في نفس يعقوب .

لعوامل عدة أبرزها : –

. غياب الوعي الوطني .

. الجشع المالي .

.إعتماد النظام الحاكم علي الأعيان والنافذين في المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي و إستمرار الحكم .

إلا أنه في ظل غياب سياسة تشغيل ناجعة .

دأبت الأنظمة الحاكمة علي تجاوز الإلتزام بمبدأ الجدارة و الكفاءة و الإستحقاق .

و إعتماد معايير مزدوجة و سياسات إنتقائية علي مستوي التعيينات في الوظائف الحكومية أو الدبلوماسية أو المناصب العليا أو إدارة المؤسسات من قبيل القرابة و المصاهرة و إقتراحات شيخ القبيلة و مراعاة بعض التوازنات القبلية دون غيرها و الولاء الحزبي و المناطقي و المحاباة و الزبونية  أو تدوير مفسدين و هم في حالة دفع مسروقات سابقة .

كما تم تمكين أصحاب نصب و إحتيال من الإستفادة من نفس الإمتيازات و الترقيات و هم مطلبون لدي العدالة في قضايا إحتيال .

في الوقت الذي تمنح فيه الصفقات العمومية بالتراضي لرجال مال و أعمال و أصحاب نفوذ دون غيرهم من أبناء الوطن .

مما عزز من نفوذ القبيلة و كرس البعد الجهوي و قوض مفهوم الدولة .

و هو ما يعكس عجز و فشل سياسات حكوماتنا في الماضي و فساد النخبة و الأنظمة السياسية .

فهل يعقل في ظل دولة القانون و المواطنة أن يتم االإحتكام إلي القبيلة و الخوض أو التعاطي في قضايا و جرائم معروضة أمام القضاء الوطني ؟!

إن الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد المنافي لمنطق الدولة الحديثة ،

يقتضي ضرورة العمل علي بناء مشروع إجتماعي إقتصادي وطتي متكامل يساهم في غرس و تطوير قيم المواطنة و حب الوطن و صون الوحدة الوطنية بما يحقق الترابط الإجتماعي في إطار الوطن الواحد و الدين الواحد و حقوق الإنسان و قوانين الدولة .

و الإلتزام بالترفع عن أكل المال العام و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة. من  خلال وضع إستراتيجية وطنية محكمة تهدف إلي تعميق الانتماء الوطني وفق أصوله السليمة و الحضارية،

تؤسس لحماية وحدته الوطنية من كل التحديات و المخاطر الداخلية و الخارجية ، حيث تعتبر الوحدة الوطنية  المرتكز الأساسي في إستقرار الدول و نمائها و التي يقوم عليها البناء الوطني السليم .

و بالتالي يشكل هدف التنمية السياسية و غايتها الأولي.

صحيح أن أهداف ترسيخ و تعزيز مفهوم القيم لا تتحقق بمجرد تسطيرها و إدراجها ضمن الوثائق الرسمية بل يستوجب ترجمتها إلي إجراءات فعلية و عملية .

و أن المرحلة الراهنة تتطلب أكثر من أي وقت مضي إرادة جادة و صادقة في إحداث التغيير المنشود عبر إرساء سياسات إصلاح ناجحة و عدالة تذوب فيها الفوارق الإجتماعية و تقسيم عادل للثروة في ظل تكافؤ فرص تزول فيها حالات الظلم و الغبن و التهميش و الإقصاء .

تتحقق خلالها تنمية مستدامة تتيح معيار مقبول للعيش الكريم .

و تعمل علي تعزيز دولة القانون و المؤسسات و تطوير و إصلاح المنظومة القضائية و العدلية من أجل ترسيخ قضاء مهني عادل معزز لدولة القانون و المواطنة و مصدر طمأنينة للجميع .

تجسيدا لما قاله فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.

في إطار إشرافه علي إفتتاح أشغال المنتديات العامة حول العدالة بقصر المؤتمرات أنذاك ، و التي تم التوافق علي مخرجاتها في شكل وثيقة وطنية لإصلاح و تطوير العدالة تم رفعها إلي رئاسة الجمهورية .

مازال أهل الإختصاص من قطاع العدالة في أمس الحاجة إليها في انتظار الشروع في تنفيذها علي أرض الواقع .

حيث قال : ( أن ليس ثمة ما هو أكثر تأثيرا و محورية في حياة الفرد و المجتمع من عمل القضاء بوصفه أساس الوحدة الوطنية و اللحمة الإجتماعية ) .

كما أن القضاء العادل يعتبر رافعة أساسية في كل مخطط تنموي و مصدر لجلب الإستثمار .

ففي شأن العدالة سأل رئيس الوزراء البريطاني الراحل و تسون أتشرشل

أحد مستشاريه عن حال القضاء في بلاده  إبان الحرب العالمية الثانية بعد أن دمرت البني التحتية و وصل الإقتصاد البريطاني إلي الحضيض فأجابوه بخير.

فقال مقولته الشهيرة( طالما العدالة و القضاء بخير فكل البلاد بخير  ) .

كما ذهب إبن خلدون إلي القول : ( إن العدل أساس العمران و الظلم مؤذن بالخراب ) .

، فالعدل هو المنطلق لقيام الدولة و عمرانها .

ولا يأتي العمران إلا بإستقامة العدل و رفع الظلم عن الناس حتي يطمئنوا علي أنفسهم و حقوقهم و ممتلكاتهم .

فإلي متي ستظل الدولة رهينة لأطماع القبائل و الأشخاص ؟

بالتأكيد الوطن سيبقي إن شاء الله و تتلاشي الأطماع و تتواري الأشخاص و القبائل !

حفظ الله موريتانيا

   اباي ولد اداعة 

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.